فى ظهيرة يوم الاثنين الماضى فوجئت بصوت الصديق د. يسرى أنور، أستاذ جراحة المخ والأعصاب، عبر الهاتف مضطرباً ومتوتراً على غير عادته، عرفت أنه فى مديرية أمن الجيزة يقدم بلاغاً، تعرض أستاذ الجامعة إلى إطلاق نار على سيارته فى الساعة العاشرة صباحاً!! متى؟ قبل الظهر بقليل والشمس فى كبد السماء والشرطة فى كبد الغيبوبة.. فين؟ فى طريق بنى سويف الرئيسى! لم يشاهد د. يسرى أى كمين على طريق بنى سويف الرئيسى الذى تحدث عليه يومياً وبشكل روتينى متكرر حادثة خطف سيارة أو «تثبيت» مواطن وفى عز الضهر! عربة «بيجو 405» تهاجم وتحضن على سيارة تمشى على طريق بنى سويف صباحاً فى مطاردة من نوع الأكشن الأمريكانى، وتطلق رصاصاً ولولا تصاريف القدر لم يصب الرصاص كاوتش السيارة وأصاب فقط أبوابها، ولولا حنكة السائق لكان د. يسرى فى خبر كان، كل هذا والشرطة تغط فى نوم عميق.

حادثة قبلها بأسبوع أمام حديقة الحيوان، سائق غلبان من الإسماعيلية اسمه سيد عبدالسلام ركن سيارته الميكروباص التى اشتراها منذ شهر ولم يدفع بعد أول أقساطها، أخذ عائلته فى فسحة للجنينة، حاول أن يقتنص لحظة بهجة فى وسط السواد الغطيس الذى نعيشه، خرج لم يجد الميكروباص، فص ملح وداب، متى؟ فى عز الظهر والشمس فى كبد السماء أيضاً، والشرطة فى كبد الميدان تستظل بتمثال نهضة مصر الذى أنادى بأن ترفع الفلاحة يدها من على أبوالهول لتلطم حزناً على ما آلت إليه أحوال الشرطة والأمن فى مصر!!.

كنا نتعلل بأن التثبيت والخطف والسرقة تحدث ليلاً على الطرق السريعة، وكنا أحياناً نجد العذر فى أن الظلام خداع، والليل ستار للحرامية والبلطجية، ولكن أن تحدث هذه الفوضى والبلطجة فى عز الضهر فهذا يعنى أن جهاز الشرطة بعافية حبتين، بل أكاد أجزم أننا أمام كارثة شرطية بوليسية من نوع المآسى الإغريقية، أعرف أن الوضع مؤلم، وأن الجرح غائر، وأن العفن والطحالب خرجت على سطح البركة، وسيطرت العشوائيات على حياتنا، ولكن إذا فقدنا الأمن فقد حلل لنا الكفر بكل مقومات الدولة، إذا سيطرت البلطجة وصار المواطن منا فى مصر ينام بنصف عين ونصف عقل خوفاً على روحه هنا تكون النهاية مهما قدم لنا السياسيون من كلام معسول وعلاوات مضروبة.

القمامة ليست فى الشوارع ولكنها فى الأرواح، والأمن إحساس قبل أن يكون طبنجات، والوطن انسجام قبل أن يكون خريطة وعلماً، والشرطة توقع وردع وحزم ويقظة قبل أن تكون مديريات أمن ولواءات وسيارات أمن مركزى.